الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

السيميائيات السردية

السيميائيات السردية:

     إن السيميائية باعتبارها علما يبحث في أنظمة العلامات، ويشتغل على تفسير الدلالات المشحونة في الرموز، بما فيها تلك التي تعكسها الخطابات الأدبية، تتقاطع مع السرد الذي يعود تعريفه إلى أصول لاتينية، فالسرد هو: "الجزء الأساسي في الخطاب، الذي يعرض فيه المتكلم الأحداث القابلة للبرهنة أو المثيرة للجدال... وهو أيضا دراسة القص واستنباط الأسس التي يقوم عليها، وما يتعلق بذلك من نظم تحكم إنتاجه وتلقيه.
     لقد اقتحمت السيميائية على خطى المناهج النقدية النصانية عالم السرد والتأليف القصصي مستخلصة رموزه وعلاماته، سابرة أغواره، مستخرجة مختلف التأويلات الممكنة، وهي تعتد في ذلك بمبادئ سوسير في هذا الميدان.
     ولما كانت السرديات مجالا من مجالات السيميائية التي تشتغل على الخطاب الأدبي فإنها خصصت موضوعها ضمن الإطار النظري العام للخطاب السردي متجاوزة بذلك النص الأدبي أسا كان نوعه وأسلوبه
     وفي هذا الصدد سأقوم بإنجاز مقارنة بين كتاب "السيميائيات السردية، مدخل نظري، لسعيد بنكراد، وكتاب مقدمة في السيميائيات السردية، لرشيد بن مالك، مقتصرا في ذلك على الفصلين الأولين منهما، محاولا إستجلاء طريقة كل كاتب في معالجة المفاهيم السيميائية، وكذا معرفة نقاط الإلتقاء والفرق بينهما، مركزا في موضوعي هذا على الأصول اللسانية والشكلانية التي انبنت عليها النظرية السيميائية واستمدت منها مصطلحيتها العلمية بالتركيز على بعض المفاهيم التي كان لها عمق الأثر في بناء الصعيد السردي لهذه النظرية.
     ففي الفصل الأول من كتاب "السيميائيات السردية" لسعيد بنكراد، تحدث عن الإرث الشكلاني فكما يقول بنكراد في مقدمة كتابه، أنه لا يمكن الحديث عن نظرية متكاملة إلا من خلال الكشف عن الأسس المعرفية التي انبنت عليها هذه النظرية، فإن المتتبع للتطور السيميائي المعاصر يلحظ دون أي مشقة أن المنحدرات العلمية تظهر من بعض جوانبها وبشكل ملموس في الدراسات الألسنية وعلى وجه التحديد في مؤلف "محاضرات في الألسنية العامة "لدوسوسير، فقد كان لدوسوسير الدور الأساسي في سن المفاهيم العملية الأولى التي استخدمتها السيميائيات، مثل :اللغة والكلام/ الدال والمدلول.
إذن فالانطلاقة كانت مع دوسوسير حين وجد أن المعنى لا يكون إلا مع وفي الاختلاف، وهو المبدأ الذي توجته الدلالية مسار بحث لها في تطور الدراسات البنيوية.
كما أن الخطاب السردي على عكس الخطاب الشعري الذي عرفت قوانينه وقواعده منذ مدة طويلة، لم يعرف أي دراسة جدية ولم تظهر إرهاصاته الأولى إلا مع بداية القرن 20 وتحديدا مع أعمال الباحث الروسي فلاديمير بروب الذي حاول مساءلة النص السردي بإخضاع الحكاية الخرافية إلى الدراسة من خلال البنية الشكلية للكشف عن الخصائص الفنية التي ميزت الخطاب السردي عن غيره من الخطابات.
كانت دراسته الشهيرة "مورفولوجيا الحكاية العجيبة" الصادرة سنة 1928 معلمة بارزة في تاريخ السيميائيات السردية، فأراد من خلال هذه الدراسة أن يكشف عن العناصر المشتركة التي اعتمد عليها المتن الحكائي للحكايات الخرافية التي اختارها كمجال للدراسة.
وخلاصة أفكاره : << أن كل تصنيف قائم على المواضيع تصنيف فاسد لان الحكاية لا تنفرد بموضوعات خاصة بها، لا تتقاطع ولا تتداخل مع أشكال أدبية أخرى، وهو مايصدق أيضا على التصنيف القائم على الموتيفات. فالقول بأن هناك حكايات للجن وحكايات للحيوانات يفترض أن كل حكاية لا تعالج إلا موتيفا واحدا ووحيدا، وليست سوى تحقق خاص له  <<
ومنه فقد كان هدف بروب هو الوصول إلى قالب نموذجي عام لتشكيل الحكاية ولتحقيق ذلك انطلق من الفرضيات التالية:
أ- الثابت و المتغير:
إن العناصر الدائمة و الثابتة داخل الحكايات هي وظائف الشخصيات والوظيفة حسب بروب: "هي فعل تقوم به شخصية ما من زاوية دلالته داخل البناء العام للحكاية" ، فالوظيفة برأيه موجودة في النص قسريا ولا تحتاج إلى شخصية بعينها لوجودها، فأي شخصية يمكن لها أن تؤديها أو تنفذها.
ب- محدودية الوظائف:
يبلغ عدد الوظائف التي حددها فلاديمير بروب إحدى وثلاثون وظيفة، وهذا لا يعني بالضرورة وجودها كلية في حكاية واحدة، فلا يمكن لوظيفة أن تحدث خارج التتابع المنطقي للأحداث ولا يتناقض هذا الكلام مع اعتبارنا أن الوظائف تسير وفق نمط معين في كل الحكايات، بالرغم من عدم تحققها كلية. وهذا لا يغير من قانون تتابعها لان غياب بعض الوظائف لا يغير من وضعية الوظائف الأخرى.
ج- الانتماء إلى شكل أدبي واحد:
يرى بروب أن جميع الحكايات العجيبة تنتمي من حيث بنيتها إلى نمط واحد، ومنه لا يمكن فهم ظاهرة من الظواهر النصية للحكاية إلا إذا ربطها بالظاهرة ذاتها في نص حكاية أخرى، وهذا الربط سيكشف لا محالة عن البنية الشكلية والتي تعتبر أساس تشكل كل الحكايات.
غريماس ومشروعه الجديد:
انطلق غريماس بمشروعه الجديد على أنقاذ المشروع البروبي، مستفيدا من ملاحظات كلود ليفي ستروس، فما قدمه أ.ج غريماس هو تهذيب لما قدمه ك.ل.ستروس من نقد لرؤية فلاديمير بروب، حيث يرى ستروس أن ما قدمه بروب يتسم بالعامية و البساطة، ويرى انه ركز على البنى السطحية ولم يتعداها إلى البنى العميقة في تحليله لعناصر الحكاية الشعبية، وهو بذلك يسقط أي إسقاطات استبدالية منظمة للسرد في مستوى عميق، فقد قام بفصل المحور التوزيعي Axe syntagmatique والمحور الاستبدالي Axe paradigmatique الأمر الذي أدى به إلى الفصل بين الشكل والمضمون، هذا الفصل الذي أدى إلى حدوث مغالطة الدراسة السردية، ذلك انه لا يمكن بأي حال من الأحوال دراسة الشكل وحده ولا يمكن إهمال المضمون، ف فلاديمير بروب – بهذه الطريقة - يعتبر أن الشكل ثابت أصلي والمضمون قابل للتغيير متحول وهذا غير مقبول في منطق الدراسات البنيوية.
كما انتقد كلود ليفي ستروس الوظائف في حد ذاتها معتبرا أنها عبارة عن ثنائيات يمكن تقليص عددها، فكل زوج منها يمثل وظيفة واحدة. لذلك كان اهتمام غريماس حين مراجعته لأعمال بروب قصد التوسيع والإفادة، تركيزه على مبدأين أساسيين تتسم بهما الحكاية عموما وهما: البساطة والشمولية، من هنا جاءت فكرة البحث عما وراء تلك البساطة واستجلاء أفق تلك الشمولية.
يعتبر مشروع غريماس مشروع تحر يتجاوز حدود الظاهر البسيط ليستنطق الباطن المركب وما تعتوره من دلالات. ومن هنا اتضحت الرؤية المعرفية مع غريماس، حين اسقط عمل بروب في الأدب الشفوي على الأدب المكتوب، ليتعدى حدود الحكاية العجيبة وصولا إلى أدبية الخطاب في النصوص عموما، حيث نجد مؤلفا له يضم أكثر من ثلاثمائة صفحة مخصصة لدراسة تطبيقية حول قصة قصيرة بعنوان "الصديقان" لموبسان، حاول فيها استعراض مختلف نظرياته التي سنها في مؤلفه "الدلالية البنيوية" مستلهما إياها من المثال الوظائفي لبروب، لقوله: "اختيار موبسان هو إذن انتماء بشكل أخر لخط بروب، مع مواصلة لاستكشاف السيميائية عبر جنس أدبي هو الحكاية"
لقد أتى غريماس ليصلح المنهج البروبي وهذا بإضافة بعض العناصر، فبنى نموذجه العاملي المرتكز على أعمال بروب. لكنه خالفه في بعض مفاهيمه كتعريفه للوظيفة، وضبطه لمستويات تنظيم السردية، إذ لاحظ أن بروب يحدد الوظيفة بأنها قائمة على وجود فعل ما تحدد من خلاله شخصية ما، وتتحدد الوظيفة بدورها من خلال انتمائها إلى إحدى دوائر الفعل في الحكاية إذ يرى غريماس انه لا يمكن أن تكون كل ثنائية مما وصفه بروب قابل لان يشكل وظيفتين متقابلتين، فإذا كان رحيل البطل باعتباره شكلا من أشكال النشاط الإنساني، يعد فعلا، أي وظيفة فان انعدام ذلك الرحيل لا يشكل وظيفة، ولا يمكننا أن نتعامل معه على انه وظيفة بل انعدام الرحيل (أو البقاء) هو حالة تستدعي فعلا.
يمكن القول إجمالا أن قراءة غريماس للمشروع البروبي كانت محاولة لاستيعاب هذا النموذج التحليلي ضمن تصور نظري جديد للحكاية، ولهذا السبب لا يمكن فهم الانتقادات التي وجهها غريماس لتحليلات بروب إلا ضمن المشروع الذي كان يحاول بناء عناصره، وهو مشروع قائم في جزء منه على الأقل على تعديل المشروع الأول.
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد خصصه للحديث عن التنظيم العميق:
التنظيم العميق:
فالبنيات العميقة هي بنيات تتحدد داخلها الكينونة الإنسانية بتنوع أشكال حضورها الجماعي والفردي، وهو ما يشير إلى ضرورة تحديد الشروط الموضوعية الخاصة بالموضوعات السيميائية. وتتكون البنية العميقة من:
·         النموذج التكويني ( التأسيسي):
ان فرضية النموذج التكويني تكمن في وجود مضامين غير متمفصلة في وحدات صغرى تخبر عنها، وبعبارة أخرى فان الأمر يتعلق بمضامين فكرية موجودة خارج أي سياق.
تساءل غريماس في هذا المحور عن كيفية رد النص السردي ببعده التشخيصي التصويري إلى بنية دلالية منطقية سابقة عنه في الوجود ومولدة له. فعوضا أن نتعامل مع الخطاب على انه سلسلة من الملفوظات، نتعامل معه على انه كلا دالا في بدايته كان على شكل تأليف تام، ثم يتفكك بعد ذلك تدريجيا ليصبح في النهاية عبارة عن ملفوظات خاصة، فالسردية متواصلة ولا تعبا بمادة تمظهرها بل تظهر من خلال مواد تعبيرية أخرى غيرها كالسينما والمسرح...، ونصل بذلك إلى اعتبار النموذج التكويني بنية دلالية بسيطة.
غريماس من خلال مشروعه يجعل الباحث في الحقل الأدبي ينطلق من مستوى التطبيق من الركن البنائي ليصل إلى مستوى توليد المعاني في السياق، والأمر يتماشى بين النصوص والصور ليس من اجل ان يتحرر الباحث من أي ضغط سيميائي، ولكن من اجل توليد الدلالات وتأويلها ليتحول العمل السيميائي الى أداة ميسرة للبحث عن مدلولات الملفوظ الروائي كنظام كامل.
·         تسريد النموذج التكويني:
هنا يتم الانتقال من النموذج التكويني إلى مايشكل قصة تدرك كمجموعة من العناصر المشخصة، ويتم هذا الانتقال من خلال عملية التسريد أي من خلال إعطاء بعد سردي لمقولة بالغة العمومية والتجريد، ولكي تتحدث عن عملية التسريد يجب تحديد وضع هذه البنيات داخل المسار التوليدي للدلالة، وفي هذا الاتجاه ينظر غريماس إلى البنيات السردية "باعتبارها عنصرا يحتل موقعا توسيطيا بين المحافل الأساسية الأولى، أي البؤرة التي تتلقى فيها المادة الدلالية أول تمفصلاتها و تتحدد كشكل دال، وبين المحافل النهائية حيث تظهر هذه الدلالة من خلال لغات متعددة"
ويقترح غريماس وجود نظام خاص مستقل يتحكم في البنى السيميائية المشكلة للبنيات السردية ويذكر مستويين من الدلالات:
-  مستوى المعانم (les sémes): وهي المسؤولة عن أي تمفصل دلالي وهو تنظيم عميق يكون النموذج التكويني أول أشكال التنظيم الدلالي فيه.
-  مستوى الآثار المعنوية (les sémémes): يتناول هذه الآثار باعتبارها نتاجا لعلاقة المعانم مع بعضها، فيكون النموذج العاملي معادلا للنموذج التكويني وهو تنظيم سطحي.
و من خلال هذين المعنمين يمكن تحديد مجموعة من العلاقات:
علاقة ضدية/علاقة تناقضية/علاقة تضمين
ومن ذلك ينتج لنا النموذج التكويني، أو المربع السيميائي:
فيما خصص القصل الثالث للحديث عن مسألة التنظيم السطحي:
التنظيم السطحي:
إن البنيات السيميائية السردية المشكلة للمستوى المغرق في التجريد تتجلى على شكل نحو سيميائي وسردي، وذلك في حدود كونها تعد محفلا اوليا داخل المسار التوليدي. استنادا إلى ذلك فإنها تحتوي على مكونين: 
- مكون تركيبي
- مكون دلالي
ويندرج هذان المكونان ضمن مستويين:
- المستوى العميق ويشتمل على مكونين: تركيب أصولي ودلالة أصولية.
- المستوى السطحي ويشتمل على مكونين: تركيب سردي ودلالة سردية.
ان غريماس يعكس الرؤية التحليلية للنص باعتباره ينطلق من المكون الدلالي التركيبي ليصل إلى الشكل الخارجي المتمثل في الملفوظ السردي، أي انه ينطلق من دواعي تشكيل الخطاب إلى أن يصل إلى النص المتشكل في نهاية المطاف، أي التمظهر المضموني وذلك بدراسته للنموذج كنسق خاص.
يرتكز النموذج العاملي على ثلاثة أزواج من العوامل هي:
الذات والموضوع/المرسل والمرسل إليه/ المساعد والمعارض.
وقد ارتكز غريماس في نموذجه أساسا على ما قدمه اللساني والنحوي "لوسيان تينيير" لان هذا الأخير يجعل للفعل سواند، أو انه يقوم على مجموعة مشاركيين يساعدون تأدية ذلك الفعل، والملفوظ عنده فرجة دائمة فقد تتغير وضعيات الفعل ويتغير الفاعل والمفعول به، ولكن هذا التوزيع والنظام لن يتغير فالوظائف ماهي إلا ادوار لعبت من طرف كلمات والفاعل ماهو إلا ذات قامت بالفعل والموضوع خاضع للفعل وما يساعده هو مساعد ومايعرقله هو معارض.
سخر غريماس كل هذا ليطبقه على مستوى النص كبنيات دالة، ليصل إلى تحديد نموذجه الذي يقوم على الثنائيات كالتالي: 
       مرسل                       مرسل إليه
                   موضوع
    
        معيق       ذات           مساعد

وتعمل هذه الثنائيات وفق ثلاثة محاور:
- محور الرغبة: الذات والموضوع.
- محور التواصل: المرسل والمرسل إليه.
- محور الصراع: المساعد والمعارض.
1 ذات / موضوع:
هي علاقة بين عاملي الذات والموضوع، ولا يمكن أن تكون هناك علاقة بين الذات والموضوع إلا من خلال غاية محتملة، كما لا يمكن أن تكون هناك ذات فاعلة من غير موضوع.
إن انتقال حدي هذه الثنائية من النفي إلى الإثبات أو العكس، يكسب النموذج العاملي حركية تمنحه صبغة توزيعية ويتم الانتقال في هذه العلاقة بين الذات والموضوع من حالة لأخرى، ولإثبات العلاقة التوزيعية في النص الحكائي، ولا يتم ذلك إلا من خلال معنمين متقابلين بين الذات والموضوع وهما: الاتصال والانفصال.
يرمز لعلاقة الاتصال (n) ولعلاقة الانفصال (u).
2 المرسل / المرسل إليه:
يدخل في هذه العلاقة عاملان: الأول محرك أو دافع يسميه غريماس "مرسلا" و العلاقة موجهة إلى عامل أخر هو "المرسل إليه"، تتوسط هذه العلاقة علاقة الرغبة حيث أنها لا تتحقق إلا بمرورها بعلاقة الربط بين الذات والموضوع، يجعل الذات ترغب في الموضوع والمرسل إليه هو الذي يشهد لذات الانجاز أنها قامت بالمهمة التي تتمثل في تحديد قيمة الموضوع من حيث الانفصال أو الاتصال. ويقوم المرسل إليه بتحديد وظيفة ما داخل الحكي:
3 المساعد / المعيق:
     إن الفئة الثالثة المكونة للنموذج العاملي تتكون من معيق ومساعد. وهي فئة متضمنة داخل علاقة يحددها كريماص في مقولة الصراع.
تفعيل النموذج العاملي :
يكون تفعيل العناصر العناصر المشكلة للنموذج العاملي كما يلي:
الخطاطة السردية:
هي نتاج التمحيص النقدي الذي قام به غريماس تجاه مورفولوجية بروب، استبدل مفهوم التتابع الوظيفي بما يطلق عليه بالخطاطة السردية التي تتحدد انطلاقا من انه: "إذا كان نص سردي ينطلق من النقطة (أ) ليصل إلى (ب) وكيفما كانت طبيعة نقطة البدء والنهاية، فان الانتقال من الحالة الأولى إلى الحالة الثانية لا يتم إلا عن طريق قواعد ضمنية. وبناء على هذا يجب التعامل مع هذا الانتقال كعنصر مبرمج بشكل سابق داخل الخطاطة السردية".
ويتم تحديد الخطاطة من خلال:
-      التحريك:
ويتمفصل في فعلين أساسيين: فعل إقناعي يقوم به المرسل، وفعل تأويلي تقوم به الذات.
-      الأهلية:
والأهلية لا يمكن أن تحدد انطلاقا من الفعل، أي انطلاقا من البرنامج السردي المرتبط بملفوظ فعل، ذلك أن ملفوظ الفعل بفترض حالة تعد أساسه ومنطلقه. أن ما يشكل أساس الأهلية هو ملفوظ الحالة، فالحالة المتجلية في مرحلة التحريك (المبني على الإقناع والتأويل)، هي منطلق الأهلية وعنصرها الرئيس. من هنا، فإن موضوع الأهلية يتكون من مجموعة من الصيغ التي يحددها كريماص في:
-       وجود الفعل
-       معرفة الفعل
-       قدرة الفعل
-       إرادة الفعل
_ الإنجاز:
ويشكل الإنجاز المرحلة الثالثة داخل الخطاطة السردية. وهو نوعان، فأما النوع الأول من الإنجاز فيعني تحولا في كينونة الذات ومحيطها، أي إلغاء لكل أشكال النقض المولد للقصة وللفعل السردي، أما الإنجاز الثاني، فلا  يهدف إلا إلى خلق نوع من الوعي بالنقص، والوعي بالنقص إن كان يعد تحولا في الكينونة وفي الذهنية وفي رؤية الأشياء، فإنه لا يمس في شيء محيط هذه الذات.
_ الجزاء:
وهو الحلقة الرابعة داخل الخطاطة السردية ونقطة نهايتها. ويجب النظر إليه باعتباره حكما على الأفعال التي يتم إنجازها من الحالة البدئية إلى الحالة النهائية.
البرنامج السردي: 
     ويتحدد البرمامج السردي إما من خلال تعاقد بدئي يحد نمط تداول الموضوعات داخل المساحة النصية الفاصلة بين لحظني البدء والنهاية، وإما من خلال إرساء قواعد بنية سجالية تضع على مسرح الأحداث ذاتين تتصارعان من أجل الحصول على نفس الموضوع. ففي الحالة الأولى يتعلق الأمر ببرنامج سردي يقود من البدءء إلى النهاية عبر برامج استعمالية متنوعة، إلى جعل الذات تدخل في اتصال مع موضوعاتها وفق شروط التعاقد البدئي.
وبذلك أمكننا القول أن أبحاث فلاديمير بروب وانتقادات كلود ليفي ستروس ساهمت كثيرا في بلورة النظرية السيميائية السردية، الذي بعثها وأطرها وفق ما اتفق مع مبادئ الدرس اللساني ليحول الدراسات الأدبية في مجال السرد إلى دراسات أكثر عمقا وأكثر أهمية.
سننتقل الأن إلى الكتاب الثاني لرشيد بن مالك "مقدمة في السيميائيات السردية"، حيث خص المؤلف القسم الأول من كتابه للحديث عن الأصول اللسانية والشكلانية التي انبنت عليها النظرية السيميائية واستمدت منها مصطلحاتها العلمية بالتركيز على بعض المفاهيم التي كان لها عميق الأثر في بناء الصعيد السردي لهذه النظرية.
وأول ما بدأ به المؤلف هو تقديم قراءة في مقدمة كتاب "تاريخ السيميائية" لآن إينو، حيث تذهب الباحثة آن إينو إلى القول إن البحث السيميائي الذي عرف تطورا على يد أ.ج. غريماس ولا زال في تحول مستمر لا يسمح بتقديم حوصلة تاريخية حول النظرية السيميائية. وتؤسس هذا التوجه على قناعتها بأن كتاب غريماس "في المعنى 2" نفي ل في المعنى.
لكن المؤلف يرى أن من خلال الإطلاع على بعض الإنجازات السيميائية الراهنة، أن القطيعة الجذرية التي أشار إليها غريماس لم تحدث بالتخلى الكلي عن المنظومة السيميائية في أسسها وموضوع بحثها ومنهجها ومصطلحاتها، فهي بمثابة قفزة نوعية لا تدرك إلا في مشروع علمي يشكل "الفضاء الوحيد الذي يحمل فيه مفهوم التطور معنى"، وعلى هذا الأساس لا يعد كتاب في المعنى 2 1983)) نفيا لما جاء في كتاب المعنى (1970)، بل هو إمتداد للبحوث السابقة.
وفي معرض حديثه عن الأصول اللسانية للنظرية السيميائية، بدأ بالإشارة إلى موقع المسألة الدلالية من البحوث اللسانية. حيث إن الإهتمام بالمألة الدلالية حديث العهد، وقد تبلورت معالم البحث الدلالي بظهور كتاب علم الدلالة البنيوي، الذي يعد أول بحث في السيميائية اللسانية.
وشكلت الدلالة قبل هذا التاريخ "1966" عائقا لم يكن من السهل تجاوز مفعولاته لاعتبارات عديدة، من قبيل:
-       أن الدراسات اللسانية في مجال الصوتيات "مدرسة براغ" والنحو "مدرسة كوبنهاقن" تقدمت تقدما كبيرا وذلك على حساب علم المعاني الذي بقي منسيا.
-       لم يكن للباحث في تلك الفترة الحق في الكلام عن المعنى. فالمعنى، على حد تعبير بلومفيد، الذي يعزز هذا الطرح القائم على الكلمات والجمل التي تعطي معنى، غير أن المعنى ليس شيئا نحسه باللمس. وبذلك فإن موضوع البحث في العلوم التجريبية نراه بالعين، فهو قابل للملاحظة والقياس والدلالة. على عكس ذلك، إذ هي مجردة وغير قابلة للملاحظة أو القياس ولاترى بالعين إنطلاقا مما سبق أمكننا القول أن الدلالة بكونها مجردة "يستحيل إلتقاطها علميا" وبالتالي فهي لا تشكل موضوع بحث حقيقي.
    ورغم ما قدمته النظريات اللسانية من دعم منهجي للسيميائية، إلا أنها لم تقترب من معالجة المعنى وتفرعاته اقترابا يفظي إلى إلتقاطه كموضوع قابل للمعرفة، بل استبعده أحيانا وبقي أحيانا أخرى محصورا في إطار الكلمة والجملة. ولهذا التوجه مبرراته ومنطلقاته النظرية المبنية على استحالة تلمس وفحص الدلالة كما هو الحال في تلمس الأشياء باعتبارها موضوعا مجردا وغير قابل للملاحظة.
    وبهذا فإن هذا التوجه على أهميته، يطرح إشكالا، فهو لا يقدم البديل للكيفية التي ينبغي أن ندرس بها ما نقول ونكتب ونسمع. علما بأن المتكلم لا يتكلم بالكلمة أو الجملة ولكنه يتكلم بالحديث، ولئن افترضنا أن الدلتالة غير قابلة للمعرفة، فإننا نستطيع أن نتكلم عنها بطريقة دالة.
 وثاني نقطة تحدث عنها هو مبدأ المحايثة:
     حيث تسعى السيميائيات إلى دراسة التجليات الدلالية من الداخل مركزة في ذلك على مبدأ المحايثة الذي تخضع فيه الدلالة ل قوانين داخلية خاصة مستقلة عن المعطيات الخارجية. وقد كرس فردينان ذي سوسير هذا المبدأ اللساني في كتابه دروس اللسانيات العامة في أثناء حديثه عن استقلالية اللسانيات في موضوع ومنهجها.
    ويعبر سوسير عن هذا المبدأ باستناده إلى لعبة الشطرنج التي لا تحتاج دراسة قواعدها إلى البحث في أصولها.
     ويشكل تحديد ل. هيالمسليف  قفزة نوعية في الدراسات اللسانية، فيما يخص مبدأ المحايثة حيث أكد على ضرورة استبعاد الوقائع غير اللسانية من عملية الوصف والنظر إلى موضوع اللسانيات باعتباره شكلا. وانطلاقا من هذا التحديد سيعمد غريماس إلى صياغة مبدأ المحايثة في البحوث السيميائية وفق منظورين "الكينونة" والتجلي "الظاهر".
     وتتفرع محصلة هذه الثنائية الأساسية في مرتبة أعلى إلى أربع مقولات تظهر في المربع التصديقي على النحو الآتي:
                               الصدق
     الكينونة                                             الظاهر
 السر                                                                      الكذب
          لا ظاهر                                             لا كينونة
                                  البطلان
     ويؤسس غريماس المنظور الثاني على المقابلة، المحايثة / السمو أين يمكن أن تسخر على الرسم السردي لابراز تباين موقعي الفاعل والمرسل.
    وانتقل المؤلف إلى المسألة الثالثة وهي مبدأ الإختلاف:
     حيث أن وصف الأشكال الداخلية لدلالة النص يرتكز على مبدأ الاختلاف الذي أرسى قواعده سوسير واستعمله للدلالة على أن المفاهيم المتباينة تكون معرفة ليس بشكل إيجابي من مضمونها وإنما بشكل سلبي من علاقتها مع العناصر الأخرى للنظام.
     وقد تمثل غريساس هذا المبدأ داخل تصور جديد يقتضي فيه الاقتراب من المسألة الدلالية استيعاب الاختلافات المنتجة للمعنى دون الاكتراث لطبيعتها في إطار بنية تدرك بحضور عنصرين (على الأقل) تربطهما علاقة بطريقة أو بأخرى.
     إن هذا التمثيل يرتكز أساسا على فرضية هيالمسليف والتي بمقتضاها يمكن فحص ماهية المضمون بالأدوات المنهجية المطبقة على صعيد التعبير. وعليه، فإن تمفصل العالم الدلالي إلى وحدات معنوية صغرى (السيمات) يناظر السمات المميزة لصعيد التعبير. إن السيم بوصفه وحدة دلالية قاعدية لا يحقق وجوده إلا في علاقته بعنصر آخر. ولئن كانت وظيفته خلافية بالدرجة الأولى، فإنه يستحيل أن يدرك خارج إطار البنية. وتتمثل هذه الوظيفة مثلا بخصوص الليكسمين "ولد" و "بنت" في /الذكورة/ (س1) و /الأنوثة/ (س2) ومحور الجنس (س). وتنضوي داخل نظام تحكمه علاقات التقابل (بين س1 وس2) والتدرج.
      1         س، س2           س).
     ويعطي المؤلف مثالا من أجل إدراك مفهوم السيم بشكل أدق من خلال مجموعة من الليكسيمات، فيقر بالتالي بوجود مقابلة بين /إنسان/ و /حيوان/، لأنهما يملكان محورا دلاليا مشتركا (حساس).
                      حساس
              إنسان           حيوان
وللتوضيح أكثر يذهب إلى إعطاء مثال آخر لعلاقة التقابل: س1 عكس س2: وهي علاقة قائمة بين السيمين:
                             س1         س
          علاقة التدرج
                             س2         س
وهي علاقة تقوم بين س و س (الجنس) باعتباره مقولة سيمية تمفصل س1 و س2. ويمثل الكؤلف نظام العلاقات (التقابل والتدرج) في مربع سيميائي يعكس الدورة الدلالية العادية المتموضعة في المستوى العميق. وقام بداية بحصر التنظيم العام للمربع وقدم خصائصه الشكلية على نحو ما أثبتها غريماس في كتابه علم الدلالة البنيوي.
المربع السيميائي: 
_ _ _ _ _علاقات التضاد         د1   ----د-----   د2
            علاقات التناقض
-------علاقات التضمن       دَ1َ  -----دَ----    دَ2
   الخصائص الكلية للمربع السيميائي:
العلاقات التدرجية: تقوم العلاقة الأولى بين: د1، د2، و د. وتشمل الثانية.
العلاقات المقولاتية:
-       علاقات التناقض: تقوم العلاقة الأولى بين د و دَ. وعلى المستوى الأدنى من الناحية التدرجية، تقوم علاقة ثانية بين د1 و د1 وبين د2 و دَ2. ومن الواضح أن عملية النفي هي التي تحقق الانتقال من د1 إلى دَ1، ومن د2 إلى دَ2، وتنبني أساسا على الاختيار بين واحد من العنصرين.
-       علاقات التضمن: يتضمن نفي دَ1 تثبيت د2.
     انطلاقا من هذا المربع وبحسب الكاتب تتجسد الدورة الدلالية للمحلل والمحرم في شهر رمضان على النحو الآتي:
          محلل               محرم
          عمل                أكل
          تفكير               شرب
          تحرك               مجامعة الزوجة
                               تدخين
          لا محرم             لا محلل
          الشرب سهوا         النوم كل النهار
          الأكل سهوا          التوقف عن العمل
      يخلص المؤلف أن السيميائية – في استنادها إلى القواعد اللسانية- تسعى إلى بناء الدلالة من داخل النص ومن مستويات محددة تحكمها بمجموعة من العلاقات والعمليات ندركها بكل وضوح في الصعيد العميق.
الملفوظ السردي:
فلاإنتقال من الصعيد العميق إلى الصعيد السطحي (المكون السردي والمكون الخطابي) مربوطا بالتحويل السردي الذي يحتوي الآليات التي تحكم الدورة الدلالية للنص (المربع السيميائي)، فإننا ملزمون بفحص الملفوظ السردي من منطلقات لسانية تقودنا إلى فهم طبيعة عمل القواعد الخلفية اللسانية في النظرية السيميائية.
الكفاءة والأداء:
    يمكن تحديد الكفاءة من المنظور التشومسكي بأنها معرفة الإنسان الضمنية بقواعد اللغة التي تقوده إلى لفظ وفهم عدد لا متناه من الجمل. والأداء الكلامي هو الاستعمال الآني للغة في مساق معين يعود فيه المتكلم، بصورة طبيعية، إلى القواعد الكامنة ضمن كفاءته اللغوية كلما استعمل اللغة في مختلف ظروف التكلم.
     وينظر غريماس إلى الأداء اللساني على أنه حالة خاصة ضمن إشكالية عامة تسخر لفهم النشاطات الإنسانية التي تأخذ أشكالا متنوعة في الخطابات.
وبحسب غريماس فهناك نوعين من الأداءات: نوع يستهدف امتلاك قيم الجهة، ونوع آخر يتميز بامتلاك وإنتاج القيم الوصفية.
     في هذا القسم حاول الكاتب أن يقدم تصورا عاما عن بعض المنطلقات اللسانية للنظرية السيميائية عمل من خلالها على توجيه القارئ العربي نحو أهم أصولها، وإظهار حدودها وإبراز إشكالياتها، بغية معرفة جوهر الممارسة السيميائية، والقضايا اللسانية الأساسية التي تشكل القواعد الخلفية للبحث السيميائي المعاصر.
الأصول الشلانية للنظرية السيميائية:
     تعد هذه الأصول أرضية بحثية لها عميق الأثر في إثراء الصعيد السردي للمشروع الغريماسي. وحاول الكاتب في البداية ضبط التوجه الشكلاني الروسي العام في الممارسة النقدية، بدءا بالنموذج البروبي، فتوقف عند الإنتقادات التي وجهها غريماس إليه وأسس عليها –بناء على هذا النموذج المتخد كنقطة انطلاقة لبخوث السيميائيين- الرسم السردي الذي يعد سندا مهما لفهم تنظيم الخطابات السردية.
     واستنادا إلى هذا سنحصل في نهاية التحليل على بعدين أساسيين في النظرية السيميائية: بعد معرفي يتأسس عليه الإيعاز والتقويم، وبعد تداولي ندركه من خلال عمل الفاعل.
     حاول المؤلف في هذا القسم أن يثير بعض القضايا اللسانية والشكلانية على نحو يفضي إلى رؤية تحليلية كاشفة عن مجموعة من القواعد الخليفية للنظرية السيميائية. ولهذا وقف عند بعض المصطلحات الأساسية في التحليل السيميائي وتتبع أصولها فضبط مفاهيمها في حقولها الأصلية مراعيا في ذلك الطريقة التي تم بها نقلها.
     وانتهى في الأخير إلى فكرة أساسية مفادها أن هذا العمل يبقى منقوصا ما لم يتم البحث بشكل جماعي في إطار فرق بحث تكون مهمتها الأساسية معاينة الوضع المصطلحي والخروج باتفاق مبدئي حول حد أدنى من المصطلحات المسخرة لتأسيس خطاب علمي جدير بهذا الاسم.
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البرمجة اللغوية العصبية

http://usafiles.net/7bc658231ffef9d0?pt=%2FDbKOMQDxbDXqhdaL3bEhY0%2BZTRt53rtDZsbmhzM19s%3D البرمجة اللغوية العصبية