لغة ولسانيات: تحول التاء إلى طاء من اصتبر إلى اصطبر

درس الأوائل مخارج الحروف، ورتبوها حسب مخارجها، كما فعل الخليل بن احمد الفراهيدي في معجم العين.

فالتاء حرف مهموس شديد ومخرجه طرف اللسان وأصول الثنايا العليا وتشترك مع الطاء في بعض الصفات، ولكنها تختلف معها في صفات صوتية أخرى، فالتاء والطاء مهموستان في حين تتصف الطاء بالتفخيم.. وتشترك في كونها إنفجارية.

ومن خصائصها الصوتية أيضا، وهي أن مؤخرة اللسان ترتفع إلى الأعلى وتتحرك للخلف قليلا باتجاه الجدار الحلقي الخلفي، أثناء النطق ببعض الأصوات مثل الطاء والضاد والصاد والظاء، فتكتسب الأصوات لذلك صفة التفخيم، وعند نطق بعض الأصوات يبقى اللسان مستويا، ولا يتحرك للخلف باتجاه الجدار الحلقي الخلفي، فتتصف الأصوات الناتجة حينذاك بصفة الترقيق، ومن هذه الأصوات المرققة صوت التاء.

فالتاء حرف مهموس انفجاري مرقق، أسناني لثوي ينتج من خلال الانطباق التام بين طرفي اللسان وأصول الثنايا العليا وحبس الهواء المندفع من الرئتين، ثم الانفراج الفجائي، فمخارج الأصوات اللغوية تسمى باسم الأمكنة التي يحبس فيها ذلك الصوت جزئيا أو كليا.
أما مخرج حرف الطاء فمن طرف اللسان العريض وما يحاذيه من غار الحنك اﻷعلى مما يلي أصول الثنايا العليا، بالقرب من نطع الفم، وصفاته (شديدة، مجهورة، مقلقلة، مستعلية، مطبقة).

يتأثر صوت التاء ببعض الأصوات اللغوية الأخرى، ويؤثر فيها في بعض أبنية العربية، إذ أن التاء كغيرها من الأصوات تتميز بصفات تتراوح بين القوة والضعف بالنسبة لغيرها، والصوت الذي يتسم بالقوة يؤثر فيما جاوره من الأصوات الضعيفة، فينقل أبداً الأضعف إلى الأقوى...ليقوى الكلام.

ويكاد موضوع الإبدال في العربية، ينحصر في تلك التغيرات التي تطرأ على هذا الصوت أو بسببه. إذ تبدل تاء افتعل ومشتقاتها في الأفعال التي يتصدرها حرف "الصاد والضاد والطاء والظاء" إذ تؤثر هذه الأصوات في التاء المرققة، وتكسبها صفة التفخيم لتتلاءم معها. ويكون التأثير تقدميا جزئيا متصلا في الأفعال المبدوءة بالصاد والظاء والضاد، ويكون تقدميا كليا متصلا في الأفعال المبدوءة بالطاء.

نستشف إذن أن التاء من الحروف المهموسة، وهي من الحروف النطعية، والطاء والدال والثاء، ثلاثة في حيز واحد. لذلك‏ تبدل تاء افتعل طاء من كل فعل ثلاثي يبدأ بالصاد أو الضاد أو الطاء أو الظاء، فالأصل في افتعل من فعل " صبر "،" اصتبر " ثم تتحول إلى " اصطبر"

ويشترط إبدال الطاء من تاء الافتعال:

أن تكون هذه التاء في كلمة فاؤها حرف من أحرف الإطباق،"وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء" وبعده هذه التاء. فإذا أريد بناء صيغة على وزن: افتعل -مثلا- تقلب التاء طاء في اصتبر؛ فيقال: اصطبر.

هذا فيما يخص الإبدال عند القدامى أما المحدثون فأطلقوا على الظاهرة تسمية المماثلة وهي ظاهرة صواتية/ صوتية تنجم عن مقاربة صوت لصوت، فكلما اقترب صوت من صوت آخر، اقتراب كيفية أو مخرج، حدثت مماثلة، سواء ماثل أحدهما الآخر أو لم يماثله .

والمماثلة نوعان تقدمية ورجعية: فالتقدمية حينما يؤثر الصوت الأول على الصوت الثاني (صوت1 ـــــــــــــــــــــــــــ صوت 2)

أما المماثلة الرجعية فهي تأتير الصوت الثاني على الصوت الأول

(صوت 1 ـــــــــــــــــــــــــــ صوت 2)

ملاحظة:

عندما يتم تقريب صوت من آخر في الصفة وحدها أو في المخرج وحده تكون المماثلة جزئية، وعندما يتم التقريب بين الصوتين في الصفة والمخرج معا تكون المماثلة تامة أي كلية.

نمثل لقاعدة إبدال التاء طاء بالشكل التالي:

أ ـــــــــــــــــــــــــــ ب/ ج ـــ د

تقرأهذه القاعدة في طابعها غير الصوري على الشكل التالي:

أ تعاد كتابتها ب في سياق (ج ـــ د )

بموجب هذه القاعدة تقترح تحليلا لكيفية تحول اصتبر إلى اصطبر.

يمكن أن نشتق اصطبر على الشكل التالي:

ت ـــــــــــــــــــــــ ط / ص

+ صامت + صامت + صامت

ــ مصوت ــ مصوت ــ مصوت

ــ مطبق + مطبق + مطبق

نلاحظ بأن التاء تتميز بكونها [ ــ مطبق] أما الصاد فسمته [ + مطبق] وهذه السمة، [+ مطبق] إنتقلت إلى المصفوفة الخاصة بالتاء فتحولت إلى طاء التي سمتها [+ مطبق]

وهذه مماثلة جزئية بين قطعتين متجاورتين، أي وقوع حرف مكان حرف لتوافق بين حرفين متجاورين، ويطلق عليها المحدثين بظاهرة التناوب الصوتي وهو ما حصل في كلمة "اصطبر" التي سنمثل لسمة التاجي فيها كما يلي:

( ص ) ( ت ) (ط)

[+ رنيني] [+ رنيــني] [+ رنيــني]

[ـ صائتي] [ ــ صائتي] [ ــ صائتي]