الأربعاء، 4 ديسمبر 2019


دراسة في كتاب: مدخل إلى علم اللغة النصي
الباب الخامس: الفصل 21-22-23-24
تقديــــــــــم:
 يعتبر علم اللغة النصي بمدارسه المختلفة حلقة مهمة من سلسلة التطور والنضج الذي بلغته الدراسات اللسانية الحديثة منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين. بيد أن إرهاصاته الأولى- كما يرى جل الدارسين المهتمين بتاريخ علم اللغة النصي- تعود إلى بداية الخمسينيات مع العالم اللغوي التوزيعي، الأمريكي هاريسZ.harris، وذلك من خلال دراستين رائدتين جمعهما في كتاب بعنوان" تحليل الخطاب Discours analysis "(1952، الذي أسهم من خلاله إسهاما هاما في الانتقال من بنية الجملة ومكوناتها القاعدية، إلى البحث المنظم في العلاقات بين الجمل في بنية أكبر يمثلها النص ، معبدا الطريق بذلك بعدئذ  لجملة من الباحثين اللغويين النصيين الرواد الذين سيجعلون من النص مدار اهتماماتهم وقضاياهم اللسانية الجديدة؛ وذلك أمثال فان ديك T.A. Van Dijk  الذي حاول تشييد صرح نظري متكامل لهذا العلم الجديد من خلال كتابه" بعض مظاهر نحو النصSome aspects of textgrammar  1972م، والذي عمل على تطويره عام 1977م في كتابه " النص والسياقText and context".  ثم محاولات بعض معاصريه أمثال شتنمبل Stempelk وجليسون Gleason وهارفج Harweg، وشميث Schmidt ودريسلر Dressler وبرنكر Brinker وغيرهم.... بيد أن علم اللغة النصي لم يبلغ نضجه التام إلا مع اللساني الأمريكي روبيرت دي بوجراند R.debeaugrande، الذي حاول تأصيل وتطوير هذه الدراسات النصية السابقة، خاصة دراسات "فان ديك"، بغية تأسيس نظرية شاملة تبحث في النحو النصي من حيث أشكاله ووسائله ومعاييره. وقد ارتبطت نشأة هذا العلم اللغوي الجديد بجملة من العوامل، أهمها ما تذرع به أصاحبه من كون عملية التفاعل والتواصل ترتبط أساسا بإنجازات كلامية أوسع وأكبر من الجملة يمثلها الخطاب أو النص[1]، ومن ثم نصوا على ضرورة تأسيس علم لغوي جديد يتجاوز الدراسة الوصفية للجملة، إلى دراسة طرق ترابط واتساق وانسجام هذه الوحدة القاعدية للتبادلات الكلامية والتواصلية في سياقات تداولية متباينة داخل وحدة لغوية أكبر هي النص.
تقول "خولة طالب" في هذا السياق: "إن الجملة ليست هي الوحدة الكلامية والخطابية، بل النص هو وحدة التبليغ والتبادل والتفاعل. وينبغي إذا أردنا دراسة النشاط اللغوي الحقيقي لدى الإنسان أن نتجاوز إطار الجملة لنهتم بأنواع النسيج النصي التي يحدثها المتكلمون أثناء ممارستهم الكلامية".[2]
وقد اهتم علم اللغة النصي منذ نشأته بجملة من الإشكالات اللغوية والقضايا الابستمولوجية المتعلقة بها، لعل أبرزها قضية النص ذاته، وما يتعلق به من إشكالات مرتبطة بمفهومه وماهيته، وحدوده النوعية ونظرياته، التي حاول كتاب "مدخل إلى علم اللغة النصي" لـ "فولفجانج هاينه من وديترفيهفيج". وهذا الكتاب الأخير موضوع دراستي في الباب الخامس منه الذي يحمل عنوان النصوص المكتوبة، إستراتيجيتها، أبنيتها وصياغاتها، يتضمن أربعة فصول بالتحليل والدراسة لمواضيع النص المختلفة وهي:
الفصل الأول:شروط التفاعل ونواحي الاتصال اللغوي المكتوب:  
ينظر فيه في نصوص الاتصال المكتوب من ناحية توظيفها و بنائها و صياغتها، إضافة إلى خروجها إلى الوجود واستقبالها من طرف المتلقي. فهي على اختلافها (روايات، رسائل، لوحات إرشادية... تشترك في مجموعة من الخصوصيات في شروط الإطار السياقية إذ يمكن أن ينظر في الاتصال الشفوي إلى حضور الشريك بوصفه سمة أساسية  غير أن غياب الحضور المشترك التفاعلي له أهمية في الاتصال المكتوب.  فالمتكلم والمتلقي يختلفان عن بعضهما زمانيا ومكانيا، كما أن عملية إنتاج النص واستقباله لم تعد تجري استنادا إلى التفاعل مباشرة بل تعاقبيا (التباعد التاريخي) غير أن الاتصال عن بعد لا يلغي التفاعلية إذ الشركاء يتفاعلون بواسطة النصوص المكتوبة و يؤثرون في بعضهم البعض، ومنه تنتج تغييرات أساسية سواء في إعداد النص أو في فهمه، تخص أيضا استراتيجيات الشركاء وأبنية النصوص وصياغتها. ويمكن أن ينظر إلى اللغة المنطوقة والمكتوبة بالنظر إلى اللغة الألمانية المعاصرة بوصفهما طريقتين قائمتين بجانب بعضهما البعض من الوجود الوظيفي والبنائي المحدد للغة. ويبدو أن النشاط الكتابي بسبب استقلاليته أعلى قيمة وأكثر أهمية في سياق المحيط من الناحية الاجتماعية لتصبح أساسا لعملية التعبير فما الذي يتغير عندما نكتب بدلا من أن نتكلم؟
فعند الكلام ينظر بشكل خاص إلى الأشياء في العالم المحيط بنا إذ يجب أن نستند إلى أشياء وأوضاع ليست واقعة في محيط رؤية الشريك كما يجب أن يعود إلى أشخاص يعيشون في مكان آخر وفي بعض الأحيان في زمان آخر، فالكتابة إذن تفتقد إمكانات التعاون وحالات الإلزام في سياق المحيط، بحيث تنزع الصبغة المكانية والإحساس الزمني والابتعاد عن الشخصانية. مما يؤدي إلى تراجع العلاقات التداخلية للأشخاص. هذه التغيرات في بنية الشروط التفاعلية لها نتائج حتمية على تكوين النص و فهمه. فالإشارة المباشرة إلى الأشياء والإحالة إليها مستبعدتان تقريبا بالنسبة للاتصال المكتوب هذه الحركة الأساسية  في الاتصال الشفوي يجب أن تعوض نتيجة لذلك بها أوصاف دقيقة ومحددة للأوضاع والحالات، لأنه لا يمكن أن يشترط علم الشريك عن العالم التجريبي للكاتب بل يجب أن يفعل بدءا من النص لكنه يرتبط بذلك أيضا بسيطرة العقلانية بدلا من عفوية الكلام المنطوق يحل تكوين النص الواعي والبحث عن استراتيجيات وأبنية نص  صياغات مناسبة. وتعد النصوص المكتوبة في العادة إلى درجة معينة منتهية وغير قابلة للتعديل إلا في حدود معينة، بذلك تقع في مركز الاهتمام سواء بالنسبة لعمليات تكوين النص أو أيضا فهمه في إطار الاتصال اللغوي المكتوب أشكال ثابتة. هذا يصح بدرجة كبيرة على النصوص المكتوبة الخاصة بالمؤسسات: هنا تعطى عناوين لإبراز الجوه، ويثبت المكان والتاريخ، ويعرف الكاتب عن طريق توقيعه مما يوصل للقارئ أهم المعلومات عن بيئة الكاتب. ومن خصوصيات التفاعل في وقائع الاتصال اللغوي المكتوب أن الكاتب يحتاج إلى مزيد من الوقت لتكوين النص  مما يزيد من كفاءة المكتوب، ويعنى بتوزيع معين للمعلومة وبناء النص، ويجب أن يدلل على قصده، كما يقرب إلى القارئ تحديث نماذج الحدث و البناء الضرورية لفهم النص حسب الإمكان بواسطة إشارات مسبقة وان يراعي الشروط الممكن التنبؤ بها لاستقبال النص عند تكوينه، وأن يبحث عن صياغة لغوية مناسبة اعتمادا على علاقته الاجتماعية بالشريك.
الفصل الثاني :الإستراتيجية والنص:
حيث عالج موضوع المناداة بإطار استراتيجي ثم مفهوم الإستراتيجية أو علم التخطيط بصفة عامة وهي مصطلح عسكري بالأساس وتعني الخطة الحربية، أو هي فن التخطيط للعمليات العسكرية قبل نشوب الحروب، وفي نفس الوقت فن إدارة تلك العمليات عقب نشوب الحروب. وتعكس الإستراتيجية الخطط المحددة مُسبقاً لتحقيق هدف معين على المدى البعيد في ضوء الإمكانيات المتاحة أو التي يمكن الحصول عليها.[3]  فالإستراتيجية هي "مجموعة الأفكار والمبادئ التي تتناول ميدانا من ميادين النشاط الإنساني بصورة شاملة متكاملة، وتكون ذات دلالة على وسائل العمل ومتطلباته واتجاهات مساراته بقصد إحداث تغييرات فيه وصولا إلي أهداف محدده. كما أنها أفعال أو مجموعة من الأفعال التي تهدف إلي تحقيق الأهداف المرسومة. وغالباً ما تقترن بالأهداف البعيدة المدى. وهذا المفهوم يدل على أن الإستراتيجية تتعلق بإعداد الخطط ذات الأهمية، أما تفاصيل تلك الخطط الجزئية؛ فتُسمَّى (تكتيكات)، وعادة ما تكون التكتيكات ذات مفهوم أقرب إلى الإجراءات منها إلى الخطة الذهنية. ولكن (الإستراتيجية) صارت تطلق على المواقع، والأهداف، وعلى غير ذلك، ويبدو أن معنى الإستراتيجية حينئذٍ لا يعني الخطة الرئيسة أو المهمّة، وإنما صار يعني (الأهمية القصوى) للشيء أو الهدف، هذا هو المفهوم السائد في اللغة العربية الفصيحة المعاصرة، أما في الغرب الذي وفدت منه هذه الكلمة، فيعرفها الفيلسوف (ميشيل فوكو) بما يلي: "تستعمل كلمة إستراتيجية عادة بثلاثة معان : أولاً- للتدليل على اختيار الوسائل المستخدمة للوصول إلى غاية معينة، والمقصود بذلك هو العقلانية المستخدمة لبلوغ هدف ما . ثانياً- للتدليل على الطريقة التي يتصرف بها أحد الشركاء في لعبة معينة بمعنى الطريقة التي نحاول بها التأثير على الغير. ثالثا- للتدليل على مجمل الأساليب المستخدمة في مجابهة ما لحرمان الخصم من وسائله القتالية وإرغامه على الاستسلام.[4]
 أما في علم اللسانيات التداولية، وفي علم اللغة النصي خصوصاً فإنها قد تُعَرّف "بوصفها محصلة لسلسلة من عمليات الاختيار واتخاذ القرار ـ الجارية في العادة عن وعي ـ التي تُعلم بواسطتها خطوات الحل ووسائله لتنفيذ أهداف اتصالية". ويبدو أن هذا التعريف للإستراتيجية يركز على العملية التواصلية في اللغة؛ لذلك فقد تمت إعادة صياغته مرة أخرى لتوضيحه أكثر حيث: "تُعرّف الاستراتيجيات الاتصالية من أجل ذلك دائماً بواسطة أهداف معينة ـ مستنبطة من التفاعل ـ فهي تعود إذن إلى الحالة المستقبلية المستهدفة لدى المتفاعلين. ويرتبط ‘‘بمكون الهدف‘‘ هذا تنشيط أنساق معرفية معينة، وتمثيل نماذج ذهنية، واستحضار آراء ذاتية، وقناعات ومواقف، واستحضار الوعي بالشروط السياقية لفعل الاتصال المخطط له، وبصفة خاصة التوجيه الدائم لكل النشاطات الإدراكية إلى الوظيفية المتوقعة ضمن النص المخطط له في التفاعل.[5] ويظهر من التعريف السابق أنه يهتمُّ بالنص في حالة الاتصال لرسم استراتيجياته، كما يبدو منه أيضاً أن النص اللغوي هو الإطار الذي تتجسد من خلاله الإستراتيجية التواصلية الذي يوصل إلى هدف التواصل؛ ولذلك لا بد من دراسة تكوّن النص أو عمليات بنائه التخطيطية الذهنية والفعلية المتحققة كجزء من الإستراتيجية. ومع ذلك فإن من الممكن أن تعرف الإستراتيجية في مجال النص بأنها: المخطط الذهني الرئيس، وما يتبعه من المنجز النصي الرئيس الذي يحقق الهدف الرئيس. وتتمثل أهمية هذا التعريف في أنه ينطلق إلى إستراتيجية النص قبل أن يكون نصاً، وإستراتيجية النص عندما يكون نصاً، وبذلك يشمل كل الدراسات التي عالجت مسألة الإستراتيجية النصية التي تنظر إلى النص من وجهات نظر متباينة؛ فهو يشمل استراتيجيات بناء النص، كما يشمل استراتيجيات بناء الخطاب الذي يقصد به الملفوظ في حالة التواصل، كما يشمل استراتيجيات الخطاب حتى في حالة الكتابة، وكذلك استراتيجيات تحليل الخطاب الذي يقصد به المفاهيم الدلالية الكلية التي تنبثق من النص بمختلف مستوياته ."...في ذلك الإستراتيجية بشكل موسع مرادف لتخطيط المتكلم أو تخطيط القارئ...تتوسط بين المهمات الاتصالية المستنبطة من التفاعل والشروط الاجتماعية، و أهداف شركاء الاتصال من جهة وبين الوسائل اللغوية وغير اللغوية الموضوعة لتحقيقها وأبنيتها من جهة أخرى...فهي تعود إلى الحالة المستقبلية المستهدفة لدى المتفاعلين، ويرتبط بمكون الهدف هذا تنشيط انساق معرفية معينة و تمثيل نماذج ذهنية واستحضار آراء ذاتية، وقناعات ومواقف، واستحضار الوعي بشروط السياقية لفعل الاتصال المخطط له، وبصفة خاصة التوجيه الدائم لكل النشاطات الإدراكية إلى الوظيفة المتوقعة ضمن النص المخطط له في التفاعل"[6]. وانطلاقا من ذلك يتبع المتكلم أو الكاتب هدفين استراتيجيين أولهما عرض النص بما في ذلك الاختيار وتفعيل وتقويم الوحدات والنماذج في انساق المعرفة للوصول للهدف، تنظيم الوحدات حب تبعيته المنطقية وإعداد الوسائل والنماذج الصالحة لتمثيلها اللغوي والاشتغال بالوسائل اللغوية في إطار التنظيم القواعدي للجملة والنص وتحديد المنهج وتطبيقه. ثانيها صنع النص وتامين فهمه بواسطة المتلقي، إذ يجب عليه (الكاتب) مراعاة المتطلبات الخاصة والاهتمامات و التوقعات الممكنة للقارئ وذلك بالقيام بتقويم إدراكي للشريك ومعارفه وان يكون النص ذا معنى ومناسب للقدرة التقبلية العقلية لديه، وان يقسم النص بوضوح (العناوين الرئيسية، الفرعية...)، والتأكيد على المعلومات الهامة بواسطة إشارات تفسيرية. المهم أن لا يفهم القارئ المضمون القضوي فحسب بل أيضا المعنى الاتصالي. وبذلك ففهم النص لا يقوم فحسب على التكوين السليم ولا التنسيق بل على المبادئ المنظمة مثل الفاعلية والقدرة على النفاذ(التوجه نحو الهدف) والتناسب.
الفصل الثالث: استراتيجيات الكتاب: 
يرى الكاتب أن "علم اللغة النصي بوصفه حقلا علميا لا ينبغي أن يبقى محصورا فقط في الانعكاسات النظرية –الضرورية دون شك- بل أن يقدم على وجه الخصوص إشارة ومساعدة للتعامل العملي مع النصوص وحتى في هذا التوجه العملي المطبوع نرى حجة قوية لتفضيل إسهام الإستراتيجية".[7]  وإستراتيجية الكتاب التي تكون ذات قيمة كبيرة لقدرة النفاذ والتناسب في المنهج الاتصالي لكل مواطن في سياقات كثيرة من الحياة الاجتماعية والخاصة تظهر على أنها صعبة في الدراسة بسبب عدم القدرة على مراقبتها. وكان من الممكن في حالات قليلة التحقق من نشأة النصوص بوصفها نتيجة لتكوين لغوي واع، على سبيل المثال مناقشة الطلاب حول مسائل بناء تقرير وصياغة حول عملهم في مصنع التدريب الذي كان عليهم أن يقوموا به. فالكاتب ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار ردود الأفعال المختلفة عند تأليفه للنص إذا أراد الوصول إلى هدفه خاصة وان المطلب الأساسي لتواصل ناجح هو استعداد كلا الشريكين للتعاون الذي يتطلب توجيه اهتمام الشريكين في الاتصال المنطوق المحدد في التوجيه الفيزيائي والنفساني إلى الشريك. فماذا عن الاتصال بمساعدة النصوص المكتوبة؟ هنا أيضا يوجد توجه لكن توجه إلى النص وبواسطته يتحول إلى الشريك. فليس من البساطة إذن الحديث عن الإستراتيجية الخاصة بالكتاب وتلك الخاصة بالقراء بل هناك عدة استراتيجيات محتملة اعتمادا على كل شروط التفاعل وأهدافه، وعلى انساق المعرفة لدى المشتركين وقدراتهم وعلى مواقفهم ومشاعرهم لكي تسمى مجموعة هامة من عوامل التأثير التي تحدد مجال فاعلية النصوص. ومع ذلك توجد عوامل مشتركة معينة بين هذه الإسهامات الإستراتيجية مما يسمى عالمية الاتصال اللغوي المكتوب. في بداية وضع موجز لهذا الفصل عن استراتيجيات الكتاب، يمكننا الحديث عن ملاحظة مهمة ألا وهي كون هذا الجزء من المؤلف خصص بالتدقيق للجانب العملي والتطبيقي لنظريات لغوية في جانبها النصي، معتمدة على ستة نقط رئيسية وهي :
·       المنطلقات
·       الكتابة بوصفها تنشيطا للنماذج الأساسية
·       إنتاج النصوص المكتوبة على أساس تصورات إستراتيجية بسيطة
·       إنتاج النص على أساس النماذج الإستراتيجية المركبة
·       إستراتيجية تكوين النصوص الكبرى
·       علاقة النص بالأسلوب.
وعن المنطلقات، التي يركز فيها المؤلف على ضرورة الانتقال من الجانب النظري إلى التوجه العملي المبني على التعامل مع النصوص عمليا وبإسهام استراتيجي ينبني أيضا على مبدأ التواصل المتناسب مع الأفراد رغم صعوبة هذه المواقف الإستراتيجية ومراقبتها مما جعل من الضرورة اعتماد مبدأ نشأة النصوص قواعديا ووظيفيا ثم جانب الأولويات. ونجاح هذه الإستراتيجية في التواصل بين الأفراد تتطلب بدل جهد من الاهتمام الاجتماعي المشترك  والتعاون بين الأفراد، تؤخذ بعين الاعتبار للوصول لعالمية الاتصال اللغوي إضافة إلى معايير جزئية أخرى. وعن الكتابة بوصفها تنشيطا للنماذج الأساسية، فمهمات الكاتب لا تنحصر فقط في النماذج المألوفة من كتابة الرسائل وإعداد المحاضر والتقارير، وحتى لتبقى هذه المهمات روتينية، يتم تنشيط هذه النماذج الأولية تحت شروط سياقية مناسبة.
أما إنتاج النصوص المكتوبة على أساس تصورات إستراتيجية بسيطة، فسمتها الجوهرية تبدأ بتعقيد العوامل المقصدية الموضوعية، بواسطة مكونات إضافية في وظيفة مساعدة تتجنب فيها ردود الفعل غير المرغوبة عند الأفراد والهدف من ذلك إنتاج أنماط مقصدية أساسية أكثر تبعا لواقع الاتصال مثل التعليل والإخبار والطلب ... وفي هذا الإطار يمكن إدماج مسالة الإطار الاستراتيجي والإجراءات التكتيكية عن قرارات بناء النص ومشاكل تنظيمه  ثم عن الجوانب الإستراتيجية في صياغة النص.
ثم يأتي إنتاج النص على أساس النماذج الإستراتيجية المركبة، من إيصال للمعلومات وإستراتيجية النص والنماذج المركبة  ونماذج من البناء الروائية وأبنية الخبر والقصص ثم نماذج البناء الوصفية وأخرى للبناء الجدلية. وهذه الجوانب هي قاعدة هذا الباب وبؤرة اهتمامه، كونها تركز على النتائج المميزة لعمليات بناء النص. ثم تأتي جوانب استراتيجيات تكوين النصوص الكبرى، ليتحدث المؤلف عن النص الكبير واقتصاره على المختصين، المؤلفين على اختلاف أنماطهم، مع ضرورة نهج خطة إستراتيجية طويلة المدى، وتوفر الكفاءة الموضوعية والاتصالية. هذا التأليف الذي لا يخلو أبدا من صعوبات في كتابة النصوص تهم الكم المراد إيصاله، وتقسيمه إلى أجزاء متعلقة دائما ببناء النص، كما تهم هذه الصعوبات  البناء الفرعي للنصوص الأجزاء المفردة وتشابك معنى النص، وأيضا حجم النص وإعادة تنظيمه. ثم أخيرا مسالة علاقة النص بالأسلوب، والحديث عن الصياغة وكيفيتها، وتحديث الصياغة اللغوية لتحقيق مقاصد النجاح الأساسية للكاتب والمؤلف، مع درجة عالية من الوعي عبر المقارنة والتصحيح، وتبني النغمة الصحيحة. ويعرض المؤلف على مفهوم الأسلوب كصفة للنصوص، وظاهرة في كليات النصوص في شموليتها، هذه الطاقة الإيحائية التي ركز عليها الكاتب لما لها من تأثير إضافي وعامل معنى وحامل لمعلومات درعية توصل بطريقة الصياغة اللغوية .
الفصل الرابع: استراتيجيات القراء:
ويضم محورين أساسيين فهم النصوص المكتوبة واستراتيجيات الفهم و السؤال المطروح في هذا الشأن هو أي العمليات النفسية تكون مهمة لدى فهم النصوص المكتوبة، و أي العواقب تنتج عند التعامل مع النصوص المكتوبة للمتلقي؟
فالقارئ يتلقى أولا عناصر مفردة من النص (كلمات، قضايا، أحداث...) ويعالجها ليصل عبر عمليات متعاقبة من دمج وحدات النص المفردة تدريجيا إلى فهم معاني النص الجزء وبالتالي إلى فهم معنى النص. يتضح أن توقعات النص تكون موجهة بالدرجة الأولى إلى الوظيفة الاتصالية أو الاجتماعية للنص المتوقع، لكن أيضا بشكل جزئي إلى مضامين نصية معينة أو حتى صياغات (مثلا في البرقيات) بذلك تحدد توقعات النص نشاط التلقي لدى القارئ وتبئر فهم النص. وتظهر أخيرا تلك التوقعات بوصفها نماذج نص شمولية –غالبا عامة جدا- تتحدد بواسطة كل تفاعل و بشكل إضافي بواسطة مواقف اهتمامات خاصة، أهداف رغبات المتلقي و آرائه ، لذلك تشكل توقعات النص أبنية وهيكلية، يمكن أن تحدد هذه التوقعات للنص بشكل اكبر بواسطة إشارات سياقية نصية مسبقة إضافية، من اجل ذلك يجوز أن يفهم تنشيط نموذج النص الشمولي المناسب لتوقع النص بوصفه جهد الاستنتاج الأول أو الأساسي للمتلقي. فالقارئ يحل شفرة معلومات النص المفردة دائما بالنظر إلى نموذج النص الشمولي المتوقع بمعنى أن المتلقي يستطيع التوصل سلفا إلى الفهم الكامل للنص، قبل أن يكون قد تعرف على النص كاملا. يكفي في الحالات القصوى لذلك عنوان أساسي مثلا في نصوص الصحافة- بشرط أن يدخل المتلقي ليس فقط نموذج النص الشمولي، بل أيضا عناصر علم أخرى كثيرة هامة لفهم النص إلى عملية الفهم. في حالات أخرى يكون إكمال توقع النص بواسطة معالجة مفصلة لجمل النص الأولي ضروريا أو نافعا للغرض، و في مجموعة ثالثة من عمليات التلقي يكون أخيرا التعامل الكامل أيضا مع النصوص المكتوبة الكبيرة شرطا لابد منه للفهم المناسب للنص لكن كيف تتم عمليات الفهم هذه؟
يحدث فهم النص أساسا بشكل انتقائي، و يعتمد بشكل خاص على أهمية المعلومات للمتلقي، عدا قيمة الأهمية الذاتية للمعلومة يكتسب أيضا العلم المسبق للقارئ و قدرته على وجود المعلومة المناسبة وكذا على استنتاج عمليات الاستنتاج المطابقة أهمية لفهم النص. فهم النص لدى المتلقي لا يساوى بمقصد الكاتب. بالطبع تؤدي المعطيات النصية دورا في البحث السريع ووجود المعلومات مرة أخرى الأبنية النحوية البسيطة ذات التراكم من سلاسل الصفات، كذلك يمكن أن يؤدي التحميل المبالغ فيه للنصوص غير العلمية بمصطلحات علمية متخصصة إلى صعوبات في الفهم، من جهة أخرى يمكن أن يساهم التقسيم الواضح للنص الواسع أيضا في تسهيل عملية الاستقبال وكذلك استخدام إشارات التقسيم المناسبة أو العبارات المؤشرة، و كذلك توضيح الروابط العضوية. و تجدر الإشارة إلى بعض الشروط للاحتفاظ أو نسيان المعلومات، إذ ينبغي الانطلاق من أن كل المعلومات التي وصلت مرة إلى ذاكرة العمل، وتمت معالجتها تنقل بعد ذلك إلى الذاكرة ذات الوقت الطويل. يعتمد بشكل خاص (عدا القدرات النفسانية الفردية) على العوامل التالية الهامة لعلم اللغة النصي وهي: أولا قيمة الأهمية الذاتية للمعلومات لدى المتلقي (وإستراتيجية القارئ المستنبطة من ذلك)، ثانيا ذلك الاستعداد النفساني لدى المتلقي(عند التعب آو الجهد النفسي تتم عمليات الاستنتاج أبطا كثيرا مما تكون تحت الشروط المعتادة). ثالثا طريقة تشابك المعلومات في الذاكرة، فكلما أظهرت وحدة البناء في الذاكرة ارتباطات مع الوحدات الأخرى، كانت مثبتة أيضا بشكل أفضل، وبذلك يتم الاحتفاظ بها، وكلما كانت المعلومة تستخدم بشكل أكثر تكرارا وتستدعى إلى ذاكرة العمل لاستمرار المعالجة، كانت احتمالات الاحتفاظ بها لفترة طويلة اكبر. كما أن عمليات الفهم لا يجب أن ينظر إليها معزولة إذ تعرف بوصفها ظواهر مطبوعة تفاعليا تسبب عواقب تفاعلية إنتاج الحوافز للتصرف الفعلي، تثبيت أو تصحيح لمواقف المتلقي وآرائه، توسيع انساق معرفته. لكن أهداف منتجي النصوص لا تكون دائما متساوية مع أهداف من يوجه إليه الاتصال، لذا يعتمد نجاح العمليات الاتصالية بشكل حاسم على كل ما يدخله المتلقي من اهتمامات ورغبات ومواقف إلى حادثة الاتصال التي لا تحدد فقط رد الفعل على عرض النص من الكاتب، بل تشكل في الوقت نفسه عوامل محددة لاستقبال النص بواسطة القارئ ولفهم النص نفسه.  ويمكن فهم النص نفسه لدى قراء مختلفين بطرق مختلفة جدا بحيث يمكن لخبر جريدة أن يؤخذ باهتمام كبير لدى احد المتلقين و يحتفظ به  بينما يتجاوزه قارئ آخر ولا يعيره اهتمام. تتسم المواقف للمتلقين من فهم النص بأنها جوانب أساسية لاستراتيجيات القراء، فهي تعرف بشكل كبير نوع استقبال المعلومة و تخزينها من جهة، ورد فعل المتلقي الناتج عنها في التفاعل من جهة أخرى. و المتلقي يفتش في النص على المعلومات الهامة لحل المهمات، ويلحقها بإطار المهمات المنشط من قبله آو ينظر إليها بوصفها حوافز لطرق حل جديدة. هذه الصيغة من فهم النص القائم على المهمات تؤدي في العادة أيضا إلى جهود احتفاظ جيدة على وجه الخصوص، لأنه ينسب إلى المعلومات المستقبلة هنا أهمية وظيفية. تنتج لذلك فروق داخل هذا النمط من الإستراتيجية بشكل خاص في الاعتماد على نوع المهمة التي يراد التعامل معها. (توضح هذه الإشكالية بوحي من مثال استقبال النصوص العلمية)[8]. كما أن هناك فهم للنصوص القائم على إثارة الاهتمام الذي لا يمكن الحديث عنه إلا في غياب اللزوم بل الاهتمام هو الحافز الأول لعمليات الاستقبال، عندئذ تطبع الاهتمامات قالب التوقع، الذي ينسب إليه وظيفة انتقائية في القراءة معلومات معينة تؤخذ بقوة خاصة بسبب قيمة الأهمية الذاتية فيها. هذه الصيغة في فهم النص مميزة لاستقبال نصوص الوسائل الإعلامية ومعالجتها...وبشكل خاص كل أنواع النصوص القصصية. أما من حيث فهم النص القائم على السلوك فيجمل عمليات الاستقبال التي يصبح فعل القراء فيها حافزا مسببا لما يتوقعه الكاتب من أحداث لدى المتلقي. ففي بؤرة التلقي المجزأ يتم من اجل ذلك انجاز أحداث القارئ أو تركها. مثل هذا التوجه يوجد ضمن غيره في استقبال اللوحات الإرشادية ونصوص القانون... أما من حيث فهم النص استنادا إلى مشارك فتوجيه الشريك يؤدي في كل فهم للنص دورا جوهريا، ففي حين لا يشعر المخاطب بالضرورة في كثير من النصوص المكتوبة التي توجه إلى شركاء محتملين (نصوص الصحافة، اللوحات الإرشادية...) انه معني مباشرة ولذلك يستطيع تجاهل النص.


الملخص والمستخلص:
ففي الدراسة المقارباتية لمضامين هذا الباب بمختف فصوله الأربع المرتبة ترتيبا غير منفصل عن باقي فصول الكتاب، وصفت بعض خصائص عمليات الفهم في النصوص المكتوبة وصفا أكثر تفصيلا، مرتبط بالملاحظات الأساسية حول مسائل تلقى النص. ويمكن بادئ الأمر أن يسجل بوجه عام أنه مع هذه الصور للفهم تغيب المعنيات الثانوية على لافهم في التواصل المباشر (وبخاصة حركات اليدين وتعبيرات الوجه)، مثلما تغيب إمكانية أن يعاد الاستفهام مع الشريك مباشرة في حال عدم الفهم .بيد أنه من جهة أخرى لدى القارئ ميزة أنه يستطيع أن يحدد هو نفسه درجة سرعة تلقي المعلومة وكثافته، وبذلك يخفف العبء عن ذاكرته، ويستطيع في بعض الأحوال أن يقرأ مراراً ما يريد من مواضع نصية عند الحاجة، ويضاف إلى ذلك أنه عند صعوبات الفهم يستطيع أن يراجع الكتب الموضوعية المتخصصة .أما ما يسأل عنه الآن فهو ما العمليات النفسية وثيقة الصلة بفهم النصوص المكتوبة، وما النتائج التي يفرزها التعامل مع النصوص المكتوبة بالنسبة لمتلقي. وعن توقع النص وفهمه تنطلق كل نماذج الفهم المألوفة تقريبا من أن القارئ يتلقى بادئ الأمر عناصر مفردة من النص (مفردات، وقضايا، وأفعالاً إنجازيه ويعالجها من هذا عبر عمليات الدمج المتتالي لوحدات نصية مفردة يوفق تدريجيا في الوصول إلى فهم معاني النص الجزئي وآخر الأمر إلى إدراك مغزى النص. طبقاً لتصورنا الكلي الذي يوجهه التفاعل فإننا نذهب على النقيض من ذلك إلى أن فهم النص لا يبدأ مع قراءة النص فقط، بل " بتوجيه براجماتي مسبق. فالمتلقى ينشط قبل بدء عملية التلقي الفعلية عناصر معينة من معرفته التفاعلية (منها الأطر، المدارات، تجيز له الإدراك السابق ذكره لموقف الفعل والمشاركين فيه، وللإطار الاجتماعي المميز(المرجعي). ويرتبط بذلك بناء مواقف التوقع التي ترجع إلى النص المتوقع : فالقارئ الذي يتلقى رسالة خاصة، يعالج تلقي هذا النص" بتوقع نصي" آخر مغاير لتوقع مساعد أول، ينبغي أن يحلل تقريراً حسابياً، ولتوقع مدرس وعليه أن يصحح موضوعات الإنشاء للتلاميذ .
ويتضح بذلك أن توقعات النص تُوَجه أساساً إلى الوظيفتين التواصلية والاجتماعية للنص المتوقع، بل توجه بشكل جزئي إلى مضامين محددة للنص أو حتى صياغات (كما هي الحال في البرقيات). ومن ثم تَحُد توقعات النص نشاط التلقي لدى القارئ ويركز على فهم النص، ويثبت آخر الأمر أنها نماذج نصية كلية – ما تزال عامة جدا في الغالب – تتحدد من خلال التفاعل المتعين (وبالإضافة إلى ذلك من خلال مواقف اهتمام خاصة للقارئ وأهدافه ورغباته وآرائه). وذلك تمثل توقعات النص تراكيب الإطار "بمواقع مفتوحة" يمكن أن تملأ بعد ذلك بقطع من النص الفعلي. ويمكن أن يستمر تحديد هذه التوقعات للنص من خلال إشارات مسبقة موقفية أو نصية أخرى. فالمتلقي لرسالة ذات إطار أسود يعلم أن في انتظاره إعلانا / خبراً عن موت أحد معارفه ويبحث القارئ لجريدة يومية معينة في الصفحة الأولى عن معلومات حول أحداث سياسية حية، وفي الصفحة الأخيرة يتوقع أخبار الرياضة. ويمكن آخر الأمر للعناوين الرئيسة (كما هي الحال في أخبار الصحافة) أن تضيق على نحو أوسع محيط إمكانات تشكيل النص الممكن توقعها. ولذلك يجوز أن يفهم تنشيط نموذج نصي كلي مطابق لتوقع النص (في بعض الأحوال يحدث من خلال الإشارات المسبقة التي وضحت هنا) على أنه الإنجاز الاستدلالي الأول والأساس للمتلقي .ومن السهل أن نرى هذه التوقعات للنص تقوم بوظيفة نوع من التصويب عند فهم النص بالمعنى الضيق. فالقارئ يفكك شفرة معلومات نصية مفردة (أو كتل المعلومات بأكملها) بالنظر إلى النموذج النصي الكلي المتوقع دائما. وعلى أساس هذه الخلفية يمكن أيضا تفسير الظاهرة المعروفة، وهي أن المتلقي يستطيع أن يوفق إلى الفهم (التام) للنص، قبل أن يكون تعرف للنص الكامل بعد. ويكفي في الحالة القصوى لذلك العنوان الرئيس (كما هي الحال في نصوص الصحافة – بشرط ألا يأتي المتلقي بنموذج نصي كلي فقط، بل بعناصر معرفية أخرى كثير وثيقة الصلة بفهم النص إلى عملية الفهم .و ينبغي أن تذكر كذلك بعض قيود الاحتفاظ بالمعلومات (ونسيانها). ويمكن بادئ الأمر أن ننطلق من أن كل المعلومات التي وصلت إلى ذاكرة العمل ذات مرة واستوعبت، تنقل إلى ذاكرة المدى القصير. ما مدة الاحتفاظ بها هنا وما السرعة التي يمكن أن تنشط بها في مواقف مناسبة، يتعلق بوجه خاص (استثناء قدرات نفسية فردية) بالعوامل التالية الوثيقة الصلة من ناحية علم لغة النص :أولا بالقيمة الذاتية لوثاقة صلة المعلومات بالنسبة للمتلقي (وإستراتيجية القارئ المستنبطة من ذلك). ثانيا بذلك الميل النفسي للمتلقي (عند الإجهاد أو العبء النفسي تجرى عمليات الاستدلال أبطأ إلى حد بعيد مما تكون عليه الحال في إطار قيود معتادة). ثالثا بطريقة تشابك المعلومات في الذاكرة، فكلما زادت أوجه ربط وحدة البنية في الذاكرة بوحدات أخرى، كانت راسخة أيضا بشكل أفضل، ومن ثم تحفظ. وكلما كانت معلومة ما تستخدم على نحو أكثر شيوعا وتستدعى كذلك إلى ذاكرة العمل ولاستمرار معالجتها، كانت احتمالية الاحتفاظ بها لفترة طويلة أكبر. رابعا بإمكانية إلحاق معلومات بنماذج كلية للنص، وفي هذه الأحوال يحدث إكمال أو تعميق للنموذج الكلي للنص في المحتوى المعرفي للفرد، وتوضع هذا آخر الأمر ما تسمى مفاهيم المفاتيح الدلالية، بشرط أن تزداد معرفة المتلقي. فقد أسفرت اختبارات نفسية عن أن المتلقين ليس من النادر أن يصوبوا في وقت لاحق معين النص في نص ما قد استقبل قبل زمن طويل جداً للوصول إلى التواؤم المذكور هنا مع المعرفة التي سبق اختزانها .وعن استراتيجيات الفهم فلا يجوز أن ينظر إلى عمليات الفهم منعزلة، فهي توصف دائما بأنها ظواهر ذات طابع تفاعلي، تحدث بدورها نتائج تفاعلية في العادة أيضا يقصدها الكاتب : مثل توليد التحفيزات للحدث الفعلي، وتثبيت أو تصحيح مواقف المتلقي وآرائه، وتوسيع أنظمته المعرفية (مع عمليات التعلم)، بيد أن أهداف منتجي النص لا تتطابق دائما بأية حال مع أهداف المتلقين، ولذلك يتعلق نجاح عمليات تواصلية بشكل حاسم بكل ما يدخله المتلقي من اهتمامات ورغبات ومواقف في واقعة التواصل، غير أن الميول والمواقف النفسية لا تحدد إلا رد فعله على عرض الكاتب للنص، ومن ثم النتيجة المؤقتة لفعل التواصل، بل في الوقت نفسه عوامل محددة لتلقي القارئ للنص وللفهم ذاته للنص .ويمكن أن " يُفهم " النص ذاته من قراء مختلفين على نحو شديد التباين : فيمكن أن يُتلقى (ويحتفظ به ، أي يختزن) خبر صحفي باهتمام كبير من متلق، بينما "يتصفحه" قارئ آخر" يتجاهله، وكذلك يتلقى مؤرخ ما الرواية التاريخية بعيون أخرى، ومن ثم بإستراتيجية أخرى مغايرة عن تلقي قارئ يريد أن يزيد معرفته بالوقائع التاريخية في مرحلة معينة أو عن تلقي ثالث يرغب في أن يتذوق خواص التشكيل الجمالي لهذه الرواية. وفي نصوص أخرى يعلم الكاتب من البداية أن مجموعات معينة من المتلقين ملزمين بالقراءة بسبب دورها الإجتماعي، فالمعلم يجب أن يقرأ موضوعات إنشاء التلاميذ وأن يقومها. والتلميذ يقرأ أجزاء نصية من كتب تعليمية بوصفها واجباً عليه، والمدير يجب أن يناقش تقارير ومحاضر ومعلومات، ...وتوصف المواقف المشار إليها هنا للمتلقين من فهم النص بأنها جوانب أساسية من استراتيجيات القراء. فهي تحدد إلى حد بعيد بطريقة تلقي المعلومة وتخزينها من جهة، ورد فعل المتلقي الناتج عن ذلك في التفاعل من جهة أخرى .وفهم للنص قائم على الوظائف حيث يبحث المتلقي في النص عن معلومات وثيقة الصلة بأداء الوظائف، ويلحقها بإطار الوظائف التي نشطها أو ينظر إليها على أنها مثيرات (محفزات) لطرق أداء جديدة. ولذلك تفضي هذه الصيغة لفهم للنص المتعلق بالوظائف في العادة أيضا بانجازات خاصة بالحفظ بوجه خاص .كما أن فهم للنص يصوغه الاهتمام  حيث تؤدى وقفات الاهتمام إزاء الأغراض والأحوال في كل عمليات التلقي تقريبا دورا لا يستهان به (على سبيل المثال أيضا في سلوك القراءة التي توجهه المهام). بيد أنه ينبغي ألا يتحدث في هذا السياق إلا عن فهم للنص يصوغها الاهتمام، وإن كان ذلك لا ينبغي فقط، بل يصير الاهتمام هو المثير (الدافع) الأساسي لعلميات التلقي. فالاهتمامات إذن هي التي تكيّف (تَصُوغ) مخطط التوقع الذي تعزى إليه عند القراءة وظيفة انتقائية: إذ تتلقى معلومات معينة بقوة خاصة بسبب قيمة وثاقة صلتها الذاتية، أو تعزل أخرى من البداية أو تتلقى في أحسن الأحوال .



قائمـــــــــــــة المراجـــــــــــــع
Ø "أوبيير دريفوس وبول رابينوف : ميشيل فوكو "مسيرة فلسفية"، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة وشروح مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، بيروت.

https://ar.wikipedia.org/wiki/إستراتيجية

Ø "بوقرة نعمان"، "نحو النص ومبادئه واتجاهاته في ضوء النظرية اللسانية الحديثة"، مجلة علامات في النقد، ماي2007م، المجلد 16، العدد61.

Ø "فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر": مدخل إلى علم اللغة النصي، ترجمة الدكتور فالح بن شبيب العجمي. النشر والمطابع جامعة الملك سعود.

Ø "طالب خولة" مبادئ في اللسانيات" نقلا عن الصبيحي، محمد الأخضر.


[1]   بوقرة نعمان، "نحو النص ومبادئه واتجاهاته في ضوء النظرية اللسانية الحديثة"، مجلة علامات في النقد، ماي2007م، المجلد 16، العدد61 ص:8
 [2] طالبخولة " مبادئ في اللسانيات" نقلا عن الصبيحي، محمد الأخضر، مرجع مذكور، ص: 64.

 إستراتيجية - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة[3]

https://ar.wikipedia.org/wiki/إستراتيجية

[4]" أوبيير دريفوس وبول رابينوف : ميشيل فوكو "مسيرة فلسفية"، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة وشروح مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، بيروت ص 200
[5]فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر : مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة الدكتور فالح بن شبيب العجمي  ، ص 314
[6] فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر : مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة الدكتور فالح بن شبيب العجمي ، مرجع سابق ، ص 314

[7]فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر : مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة الدكتور فالح بن شبيب العجمي ، مرجع سابق ، ص 317

[8] فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر : مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة الدكتور فالح بن شبيب العجمي ، ص 386


البرمجة اللغوية العصبية

http://usafiles.net/7bc658231ffef9d0?pt=%2FDbKOMQDxbDXqhdaL3bEhY0%2BZTRt53rtDZsbmhzM19s%3D البرمجة اللغوية العصبية